قصة وفاء استثنائي لشاب عفري، إسماعيل حسن، الذي
حرس مستودع اسلحة مدفونة لجبهة التحرير الإرترية في دنكاليا لمدة ١٣ عاما
روى هذه القصة الامين عمر عثمان في مجموعة اغردات:
في أكتوبر من عام 1994، تم توزيع
كتيبتنا ضمن الفرقة 491 في إقليم دنكاليا، وتحديدًا في منطقة كيلوما. كنا نتلقى
تدريبات عسكرية بشكل منتظم، حتى جاءت إحدى ليالي نوفمبر حين تقرر تنفيذ تمرين ليلي
يُعرف بـ "كعز أقري" (طابور سير ليلي). انطلقنا سيرًا على الأقدام من
أطراف معسكر كيلوما، وكانت وجهتنا المقررة نحو جبل موس الواقع على المثلث الحدودي
بين إريتريا، إثيوبيا، وجيبوتي. ولكن لاحقًا تم تغيير الاتجاه نحو الجنوب الغربي.
وأثناء المسير في الظلام، أمر قائد
السرية، ودقشي، بالتوقف بعد أن التقط صوت مذياع قادم من مكان منعزل. تم إرسال
ثلاثة من الجنود لاستكشاف مصدر الصوت، وكانت المفاجأة أن وجدوا رجلاً يحمل
مذياعًا، يُدعى إسماعيل حسن، من قومية العفر.
باشر القائد التحقيق معه فورًا
وسأله: "ما الذي أتى بك إلى هذا المكان النائي؟"، فأجاب إسماعيل بثقة:
"أنا أقوم بحراسة أسلحة مطمورة تعود لجبهة التحرير". أشار بيده إلى
الموقع، وقد أصابتنا جميعًا الدهشة، إذ أن جبهة التحرير كانت قد انسحبت من دنكاليا
منذ عام 1981.
تحركت الفصيلة الأولى بسرعة إلى
الموقع، وتم اقتياد إسماعيل معنا. وفي صباح اليوم التالي، حضرت ثلاث شاحنات عسكرية
من نوع "أورال"، وتم فتح المستودع الذي كان مليئًا بصناديق الذخيرة وبعض
الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، حيث جرى نقلها إلى مستودعات الصيانة لفحص حالتها.
رغم ما أظهره إسماعيل من إخلاص وطني،
فقد تم اعتقاله بتهمة "التستر على أسلحة"، وهو ما أثار جدلاً واسعًا في
أوساطنا. لاحقًا، عُقد اجتماع طارئ لجميع أفراد اللواء، تحدث فيه قائد اللواء
مؤكدًا أن ما قام به إسماعيل يُعد مثالًا نادرًا في الوفاء للوطن، وقال: "جبهة
التحرير انتهت منذ سنوات، ولكن يبدو أن والدكم إسماعيل ظل يحلم بعودتها. أنتم
تتململون من حراسة ساعة واحدة، بينما هذا الرجل ظل يحرس موقعًا منذ أكثر من 13
عامًا".
أوضح إسماعيل لاحقًا قائلًا: "كنت
أتوقع عودة الجبهة حتى عام 1990، فكنت أحرص على الحضور كل ثلاثة أيام للحراسة،
وبعد ذلك مرة واحدة في الأسبوع. وبعد التحرير، أصبحت أزور الموقع مرة واحدة شهريًا
حسب ظروفي، والصدفة جعلتني أكون هنا اليوم عندما صادف مروركم".
تجسّد هذه القصة وفاء مناضلي جبهة
التحرير والتزامهم العميق تجاه وطنهم وشعبهم. فقد كانت الجبهة بالنسبة لهم قضية
حياة أو موت — "جبهة او موت".