المشروع البريطاني لتقسيم اريتريا بين السودان واثيوبيا
كيف ومتي واهم ملامحه
خلال الأحتلال البريطاني توصلت الأراء الانجليزية الي القول ان أفضل حل
للقضية الأريترية هو تقسيم اريتريا بين اثيوبيا والسودان , بحيث يسمح للاريتريين
المسيحيين بالأنضمام مع أقاربهم في اثيوبيا, ويتاح للقبائل المسلمة الأنضماج
بالسودان. في عام 1943 زار اريتريا السير دوغلاس نيوبولد الحاكم المدني في السودان
, وتوصل الي الرأي, بأنه : " قد يكون من الأفضل للقبائل المسلمة في ارتريا
الغربية – وهذا لايسبب لنا (الحكومة السودانية ) أي متاعب – ان تنضم ولايتان أو
ثلاث الي السودان. وأن يسمح للولايات المسيحية وتلك الي تحدث التقرينية, بالانضمام
الي اثيوبيا"
وارتأي البرغدير لونغريغ ان :
"تضم الي السودان مناطق القبائل المسلمة المتاخمة للسودان المصري
الأنجليزى , أما المرتفعات الوسطي المسيحية , مع مرفأ مصوع ومناطق قبائل السمهر
والساهو, فيجب ان تشكل جزء من دولة أو ولاية تقرينية موحدة, توضع تحت سلطة
الأمبراطور الشكلية, ويدير شؤنها (باسم الأمبراطور) حاكم أوروبي لمدة محددة أو غير
محددة , في حين تعطي بلاد الدناكل وعصب الي الأمبراطور بدون شروط". أراء من
هذا النوع وردت علي لسان العديد غيرهم. كما ان المندوبين البريطانيين قدمو
اقتراحات رسمية بتقسيم أريتريا في لندن وباريس سنة 1945 و 1946 .
أما نقطة الضعف في قضية التقسيم
فكانت ان أحدا لم يسأل مسلمي أرتيريا رأيهم في الموضوع. فبعد الهزيمة الأيطالية
كان أوضاع أكثرية المسلمين أفضل من أوضاع المسيحيين. فأحوال الجبرة التجار ازدهرت
في الحبشة , وفي بقية المناطق تمكن الرعاة من التعويض علي ارتفاع الأسعار ,
بالأمكانيات الجديدة التي وجدوها لتصريف انتاج مواشيهم من قطعان وحليب. كان اقفال
القاعدة البحرية الانجليزية ومصنع للاسمنت سنة 1945 الي البطالة في مصوع ولكن تبدل
الأوضاع الأقتصادية لم يؤثر الا قليلا علي مسلمي سائر المدن الأريترية , وهذا
الأرتياح النسبي سبب نوعا من الجمود السياسي, ساعدت في المحافظة عليه فيما بعد ,
العزلة التي كان تعيشها تلك القبائل البدوية , ففي أغلب الأحيان انحصر اهتمامها
بشؤنها القبلية الخاصة , ومن اسباب قلة اكتراثهم بالسياسة ايضا افتقارهم الي زعماء
مثقفين.
لم يكن بوسع أي حركة مسلمة تسحق
الذكر, أن تتطور بدون مشاركة القبائل التجري , الي كانت تضم ثلاثة أخماس مسلمي
أريتريا وعددهم 520 الفا سنة 1946 . كانت تلك القبائل منشغلة بقضاياها الخاصة, و
لم يكن لديها الوقت للأهتمام بالسياسة العامة. ففي أراضي بركة كانو البني عامر علي
خلاف مرير مع قبائل الهدندوة السودانية. أما جماعة السمهر, قرب مصوع, فكانو
يقاومون مطالبة زعماء جماعة مصوع التقليديين (النواب) باسترجاع سلطتهم عليهم (كان
الاتراك, أيام حكمهم , قد عهدو علي أحدي عائلات مصوع, ادارة شؤن السمهر, وكان ابرز
عنصرين فيها قدأعطيا لقب "نائب") ولما جاء الطليان حصرو سلطة الزعماء
بمدينة مصوع. وفي المرتفعات الشمالية, كانت العائلات الأرستقراطية (الشماقليه) منشغلة بتهديدات رعاياها, وبالرغم
من طابعها المحدود, فقد ساعدت هذه المشاكل , قبائل التجري علي اكتساب وعي سياسي
ادي الي قيام حركة ارترية مسلمة . وفي هذه الاثناء كانت اضطرابات من نوع اخرتنمو
في المرتفعات الغربية, فالنظام الأقطاعي الخاص بقبائل التجري كان قد مر عليه الزمن
وبدأ في التفكك في جو الهزيمة الأيطالية واللبيرالية الأنجليزية. وبدأت الثورة
أولا مجموعة من "الرعايا" التجري في قبيلة صغيرة تعرف ب "عد
كليس". ولقد طالبا الرعايا (التجري) بالأستقلال التام ورفضو دفع الضرائب وهذا
سنتعرض له في مقالة أخري....
وبعد تأسيس الرابطة الأسلامية كان المسلمون متفقين علي موضوع معارضة
الأتحاد مع أثيوبيا, ولكنهم كانو مختلفين حول قضايا أخري. فجماعة التجري الذين
انضمو الي الرابطة الأسلامية ايضو نوعا من النظام البريطاني. أما الجبرته وابناء
مصوع, الذين كانو يشكون في ذالك الوقت من البطالة والضيق المادي, فقد تذكرو الخير
أيام الطليان. وجماعة الساهو أخذو علي الأنجليز وقوفهم مكتوفي الأيدي أمام
الأعتداءت المسيحية. في حين اشتكي الكوناما من أنهم لم يعرفو في تأريخهم مثل تلك
الأهانات والخسائر التي تعرضو لها تحت الأحتلال البريطاني. ,الدناكل كانو مستائين
ان الأنجليز لم يتحركو لأنقاذ زعيمهم
التقليدي محمد يحي حنفري, سلطان أوسا من الأعتقال الأثيوبي عام 1944 حيث توفي
في أديس أبابا, فقد وقفو مع عودة النظام الأيطالي. وهكذا فيما ايد الرعاي (التجري) نوعا من النظام
البريطاني, كان الأخرون يعارضونه.
أما تقسيم أريتريا فلم يجد من يؤيده, فقد عارضوه البني عامر خشية أن تساعد
الحكومة السودانية الهدندوة. ووقف ضده الساهو, الدناكل, والسمهر والجبرته لأنه كان
سيضمهم الي أثيوبيا. أما القرار الذي انتهي اليه المسلمين فيقول "المحافظة
علي وحدة الأراضي الأريترية كما كانت عليه قبل 1935 " مع التأكيد بأن الرابطة
الأسلامية ترفض تقسيم اريتريا. وجاء في
القرار كذالك "وجوب السعي للأعتراف باستقلال أريتريا واذا تعذر ذالك
وضع اريتريا تحت الحماية الدولية لمدة عشرة سنوات, برقابة انجليزية أو يعهد بهذه
الحماية الي مجلس الحماية التابع للأمم المتحدة".
-----------------------------------------------------------------------------
جيرالد تريفاسكيس