Wednesday 2 December 2020

تنويع إرتريا: تفكيك السردية المهيمنة: المقدمة التي كتبها البروفسور شيتل ترونفول




تنويع إرتريا: تفكيك السردية المهيمنة

"المقدمة التي كتبها البروفسور شيتل ترونفول لكتاب "ديناميكيات حلم إفريقي لم يكتمل

تأليف الدكتور/ محمد خير عمر 

ترجمة الدكتور/ ياسين مدني عبد القادر


إن تاريخ وثقافات المجتمعات المقيمة في الحدود المعروفه اليوم بإسم إرتريا هي معقده وغير
متناسقه، وبالتالي فإن بناء فهم متجانس ودقيق لماضي وحاضر هذه المجتمعات سوف يحتاج الى
وقت وجهد كبيرين. بيد أن هناك عائقين رئيسيين أمام هذه المهمة ويعيقان الحصول على معرفة
عميقه ومتكاملة عن إرتريا وشعبها. العامل الاول هو أن معظم ما نشر عن إرتريا وتاريخها
السياسي ومجتمعها الحديث كُتب بشكل مُسيّس وانتقائي في طريقة عرضه وتحليله. العامل
الثاني هو أن هناك ندرة في المعلومات بشأن أمور رئيسية حول المجتمع الارتري الحديث وتطوره
بسبب العداء لبيئة البحث في إرتريا تحت سيطرة نظام الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا المعروف
.حالياً بنظام الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة والذي يحكم البلاد منذ الاستقلال وإلى اليوم

خلال مرحلة حرب التحرير فإن كافة المعلومات والتقارير الميدانية والمعلومات بشأن
الحاله في إرتريا، ورسم الصورة المتخيلة لطبيعة البلاد والهويات الثقافية المكونة لها، كان يتم
التحكم فيها من خلال توزيعها أو نشرها بواسطة مصادر محدودة، غالباً عبر صحفيين من الدول
الغربية والباحثين وقليل من عمال المساعدات الانسانية. ساعد على ذلك محدودية الامكانات
لاجراء دراسات ميدانية على الأرض بسبب الحرب، وعليه فإن الذين أتيحت لهم الفرصة للوصول
الى الميدان كانوا يضطرون للخضوع لسيطرة إما الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا أو الحكومة
الإثيوبية وفق المكان الذي يرغب الباحث في الوصول عبره الى ميدان البحث، فمثلاً في المناطق
المحررة الخاضعة للجبهة الشعبية لم يكن يسمح لأحد أن يسافر أو يعمل بدون أن يكون معه مراقب
.في زى مرافق أو مترجم تابع للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا 
                                            
ولأن معظم الزوار الأجانب ونشاطاتهم البحثية بدأت في منتصف السبعينات من القرن الماضي، أى بعد سقوط الامبراطور
هيلي سلاسي وبلغت ذروة هذه النشاطات بعد المجاعة التي إجتاحت إثيوبيا في 1984 م، ولهذا فإن
هذه النشاطات البحثية لم توثق المراحل الأولى لمرحلة الكفاح المسلح حيث كانت هذه الفترة
سابقة لبداية النشاطات البحثية، وبالتالي فإن معظم المعلومات التي تخص هذه المرحلة تم نقلها
.بأثر رجعي عن مصادر قيادية في الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا

ولهذا وبالرغم من أن جبهة تحرير إرتريا هى التي بدأت الكفاح المسلح إلا أن دورها في بداية الكفاح
المسلح وإيقاظ الضمير الوطني تم تجاهله وتحجيمه. حيث تكمن أهمية توثيق هذا التاريخ في
التأكيد أن الأبطال الوطنيين الأوائل الذين نادوا باستقلال إرتريا كانوا جميعهم من المسلمين
.الذين ينحدرون من مناطق المنخفضات الغربية في إرتريا

لقد كان قسم المعلومات والدعايه التابع للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا جهازاً مقتدراً
وذو كفاءة مهنية عالية في طريقة تعاملهم مع الضيوف الأجانب خلال فترة حرب التحرير وكان
يتم إحاطة وتزويد الضيوف الأجانب بسرديات تاريخية رسمية عن الهوية الوطنية الإرترية،
سرديات حتمية لا تحتمل الغموض أو الانحراف ولا تسمح بظهور سرديات أخرى. أما الافراد الذين
كانوا يتواجدون خارج ارتريا ويودون رفع تقارير عن النضال الارتري غالباً كانوا الأصل ناشطين
في أعمال تضامنية داعمة للنضال الارتري وغالبيتهم من الجاليات الإرتريه في أوروبا وأمريكا
الشمالية وبالتالي متعاطفين مع الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا ابتداءً، ولهذا لم يكونوا ناقدين أو
متشككين تجاه السرديات التاريخية التي يتم تزويدهم بها، وغافلين عن العديد من التناقضات التي
كانت تحيط بتلك السرديات والروايات والتفسيرات المتعارضة التي كانت موجودة ولا تزال في
.النطاق الارتري

هناك خطأ رئيسي تم إرتكابه من قبل المراقبين الدوليين والنشطاء والصحفيين والباحثين
وهو أنهم لما رأوا مجتمع مثالي متجانس في المناطق المحررة في فترة الكفاح المسلح التي زاروها،
أسقطوا هذه الصورة المثالية المصطنعة للمجتمع في هذه المناطق على صورة إرتريا المتخيلة في
المستقبل سواء قبل أو بعد التحرير. إنه من الطبيعي أن تكون الجبهة الشعبية راغبة في الحفاظ
على هذه الصورة المثالية، وبالفعل قد استطاعت في الحفاظ عليها من دون أي تشكيك دولي الى أن
تحطمت هذه الصورة المثالية المصطنعة نتيجة للاعتقالات التي طالت مجموعة ال ) 15 ( في
سبتمبر 2001 م. ومع ذلك، لا يزال التصور الخارجي تجاه إرتريا حتى اليوم يكاد يكون مقتنعًا
بالسردية المعتمدة رسميًا لما يشكل إرتريا والهوية الوطنية الإرترية، ويعود هذا جزئيًا إلى عدم قدرة
الباحثين في الوصول إلى سرديات تفسيرات موازية للأحداث التاريخية، ذلك أن معظم الذى كتب
عن تاريخ إرتريا على سبيك المثال، أو رواية الأحداث التاريخية لجبهة تحرير إرتريا خلال فترة
الكفاح المسلح مكتوب باللغة العربية أو اللهجات المحلية. علاوة على ذلك، فإن هذه الروايات
والأشخاص الذين يروونها يعيشون في الغالب في دول الشرق الأوسط أو السودان ويصعب الوصول
إليهم من قبل الباحثين الغربيين الذين هم في الأصل غافلون عن هذه الحقيقة، وهذا يعود جزئياً
للتهميش والتمييز المقصود تجاه ممثلي المنخفضات الإرترية والأقليات داخل الجبهة الشعبية
.للديمقراطية والعدالة والحكومة الإرترية 

إن الغالبية المطلقة في الوظائف الحكومية الرسمية في إرتريا تُشغل من قبل أهل المرتفعات
وخاصةً السكان الناطقين باللغة التقرنية، وهذه الوظائف تشمل الوزراء والجهاز البيروقراطي على
مستوى الوظائف العليا والمتوسطة والدنيا في أسمرا وأيضاً في الحكومات المحلية بما في ذلك
مناطق المنخفضات. اليوم في إرتريا إذا لم تكن مسيحياً بالميلاد ومتحدثاً باللغة التقرنية يصعب ان
تشغل منصب حكومي وهي نفس السياسة التي كانت متبعه من قبل أثيوبيا في عهد الإستعمار،
وعليه إذا كنت ترغب في الحصول على منصب في المحكمة أو القضاء يجب عليك أن تتكلم وتلبس
وتتصرف بثقافة أهل المرتفعات ولهذا اي شخص او مراقب دولي أو ممثل خارجي يتعامل مع
الحكومة الإرترية يلاحظ مدى الهيمنة الثقافية الأُحادية من قبل أهل المرتفعات بما يرسخ لديه
صورة متخيلة عن إرتريا تتغافل عن الصورة الحقيقة لإرتريا ذات التعدد الثقافي والإثني. هذه
الصورة الأحادية للمجتمع الإرتري قد لا تكون بالضرورة نتاج ممارسات مقصودة من المسئولين
الرسمين للدولة، وانما تشكلت بحكم أن أغلبهم نشأ وترعرع في المرتفعات وثقافتها وبالتالي مايظهر
على السطح هو انعكاس لواقعهم وتصوراتهم بحكم النشأة وهي تصورات تختلف عن تلك الموجودة
.في مناطق المنخفضات

هذه العوامل وبحكم أني مراقبًا للقرن الأفريقي لفترة طويلة دعتنى الى التأكيد بأن
الكثير من الكتابات الخارجية حول إرتريا كانت من إنتاج من أسميتهم ب "مجموعات حرب
العصابات" التي علمت ك "مغفلين نافعين" للترويج لقضية وسردية الجبهة الشعبية لتحرير
إرتريا. وسواء كان عن ذلك طريق الحظ والصدفة، ولأنني أيضاً أمتلك عقلاً استقصائيًا وقدرة
نقدية بالفطرة، تمكنت من الافلات من فخ هذ المجموعات التي استخدمت كمغفلين نافعين
والترويج لوجهة نظر الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وبدأتُ في التشكيك في هذه الصورة المتجانسة
التي حرصت الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا على تقديمها في وقت مبكر من مسيرتي البحثية 
بصفتي عالماً أنثروبولوجياً في بدايات مشواره العلمي، بدأت في إعداد العمل الميداني
.لأطروحتي في أواخر الثمانينيات

في البداية كنت أرغب في دراسة تجنيد الفلاحين في جيش
التحرير وطلبت إذنًا من الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا لإجراء عمل ميداني في المناطق المحررة
حول مدينة نقفه في الساحل، وقد حصلت على الموافقة على مشروع البحثي من قبل الجبهة
الشعبية في 1990 م بدأت الاستعداد للتحضير للدراسة الميدانية، ولكن نتيجة للتطورات العسكرية
في تلك الفترة لم يسمح لي بالدخول الى إرتريا إلا بعد سقوط أسمرا وهذه اعتبرها نعمة غير
ظاهرة كوني أول باحث دولي يدخل إرتريا المحررة في أغسطس 1991 م عندما كانت الجبهه
الشعبية مشغوله بالسيطرة على كل حدود إرتريا إدارياً وتكوين حكومة إرترية في أسمرا. وهكذا
استطعت أن أبدا عملي الميداني كباحث من دولة صديقة دون مرافق يتحكم في تحركاتي وبعيداً
.عن الرقابة على ما اقوم به

 النعمة الأخرى أني لم أذهب كما كان مخططاً له في البداية إلى
المناطق المحررة في الشمال الذى كانت تسيطر عليها الجبهة الشعبية منذ سنين ، ولكن توجهت
إلى قريه صغيره في ريف أكلو قزاي والتي تحررت في مطلع عام 1991 م. وهى المناطق التي ينحدر
منها العديد من مقاتلي جبهه التحرير الإرترية الذين ينتمون الى قرى هذا الإقليم من المرتفعات،
هذه المناطق ولمدة طويله كان تسيطر عليها قوات الدرق ولكن ليلاً تدخل قوات الجبهه الشعبية
إلى القرى مكونة حكومة ظل وهذا ما جعل سكان القري تحت ضغط كبير من قبل الطرفيين هذا
.فضلاً عن أجواء الحرب والغموض الذى ينتاب حياتهم ومصيرهم

وبما انني لم يسبق لي أى ارتباط بالنضال الإرتري أو الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا، ولهذا
فإن دوافعي للبحث كانت أكاديمية على المستوى النظري، ولأن الجبهة الشعبية لم تُعيّن لي
مرافقاً متحكماً في مسار تحركاتي ونشاطاتي كما هو معهود في السابق، فقد استعنت بشاب
مستقل منفتح العقل من سكان أسمرا كمساعد لي في بحثي، وبالتالي تمكنت بصورة سريعه من
الوصول الى وجهات النظر والتي قلما تظهر للعلن وتنتقد الجبهه الشعبية لتحرير إرتريا وتقدم
منظور سردي مخلتف عما تحاول الجبهة الشعبية تسويقه باعتباره وجهة النظر الصحيحة
والوحيدة. وفي هذا أعتقد أنني أول باحث دولي يكتب عن الجبهه الشعبية ونهجها في التجنيد
الإجبارى في القرى بالإضافه إلى فرقة الجبهة الشعبية المكلفة بالإغتيالات لهؤلاء الذين أجبرتهم
السلطات الاثيوبية للتعاون معها. وقضيا التجنيد القسري والاغتيالات هما القضيتان التي
.ساهمتا في ترويع أهل القرى في تلك المنطقة

أيضاً تأثر بحثي في مراحله الأولى بالملاحظات الميدانية خلال الفترة الإنتقاليه من
1991 م والي 1993 م خاصة حمله التطهير التي شهدتها مدينة أسمرا استعداداً للاحتفال
بالاستقلال في 24 مايو 1992 م. حيث تم تجميع المتسولين والمشردين في العاصمة أسمرا
وترحيلهم عبر شاحنات ورميهم في المنخفضات الغربية حتى لا يشوهوا صورة المدينة وطريقة إدارة
الجبهة الشعبية لها عند زيارة الضيوف الأجانب إلى أسمرا لحضور الاحتفالات بعيد الاستقلال ، أو
ربما خوفاً من القيام بمظاهرات تجسيدية للإعدامات خارج القانون لطائفة جهوفا في اسمرا
خريف 1992 م، حيث تم إعتقال جماعة جهوفا الذين رفضوا التسجيل للاستفتاء بسبب
.معتقداتهم الدينية وهو ما قاد الى اعتقال أول فوج من هذه الجماعة

كنت شاهداً ايضاً للتغيرات السريعة الهادفة الى )تغرنة( المجتمع الإرتري بعد الاستقلال
خلال زيارتي الأولى لبارنتو في المنخفضات الغربية الإرترية في أكتوبر 1991 م، كانت بارنتو قرية
تابعة لقومية الكوناما، وكان التأثير والملامح الإسلامية واضحة في كافة أنحاء البلدة، لكن بعد
بضع سنوات وفي ظل إدارة المسؤولون الناطقين بالتغرنية للمدينة والتدفق الهائل لسكان المرتفعات
المسيحيين، تغيرت ملامح المدينة بشكل جذري. ايضاً كنت محظوظاً بأنني تطوعت للسفر في
جميع أنحاء اقليم دنكاليا في ربيع عام 1993 م كجزء من بعثة مراقبة تابعة للأمم المتحدة لمراقبة
سير علميات الاستفتاء على الاستقلال ومعرفة كيف يُنظر إليه من قبل العفر الإرتريين، وقد
شاهدت الحصار المفروض على العفر من قبل الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا والرقابة الصارمة على
عملية الاستفتاء في جميع أنحاء البلاد وكان هذا كاشفاً بالنسبة لي عن طبيعه العلاقة بين
الشعب العفري والجبهة الشعبية في الماضي وكان أيضاً بمثابة مؤشر على ما سيأتي في إرتريا
.المستقلة

كنت محظوظًا أيضًا لأنني التقيت في وقت مبكر بقيادات إرترية تحمل سرديات وتفسيرات
مختلفة عن الرواية الرسمية، وقد أسهمت في تكوين فهمي للمجتمع والثقافات الإرترية بشكل
مختلف. أحد أبرز هذه القيادات هو الدكتور ألكسندر ناتي، كبير علماء الأنثروبولوجيا الإرتري
والذي لفت انتباهي إلى شعب الكوناما وثقافات المنخفضات الإرترية وعلاقتهم التاريخية بسكان
المرتفعات. كان ألكسندر هو من ابتدع مصطلح "ديمقراطية الرقص للجبهة الشعبية لتحرير
إرتريا". ألكسندر في حديثه معي خلال فترة إصلاح الحكومات المحلية في منتصف التسعينيات
وصف كيف أن ثقافات الأقليات في إريتريا يتم التحكم فيها وتقديمها على أنها شيء مختلف
شاذ بغرض جلب الاثارة ويسمح لهم بالرقص فقط في المعارض الثقافية لإدهاش الشخصيات
.الزائرة، لكن لم ليس لهم رأي في إدارة وتنفيذ السياسات في منطقتهم ناهيك عن الدولة ككل

أيضاً التقيت بالدكتور طه محمد نور، العضو المؤسس لجبهة التحرير الإرترية والعضو في لجنة
الاستفتاء ومفوضية الدستور فيما بعد في أسمرا في أوائل التسعينيات وقدم سرديات وتفسيرات
مختلفة عن الرواية الرسمية لحاضر الوضع في إرتريا وماضيها (طه اعتقل لاحقًا من قبل النظام
(عام 2005 م وظل في السجن في ظروف مروعة حتى وفاته بالسجن عام 2008 م
الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة والحكومة الإرترية وبدلاً من تشجيع المعرفة
وتسهيل الأبحاث فإنها تقوم بتضييق الخناق على الفكر الحر وتحظر البحوث المستقلة. والمفارقة أن
إرتريا اليوم تحكمها حركة الاستقلال الوحيدة في العالم والتي بدلاً من إعطاء الأولوية للجامعة
الوطنية كرمز للتحرر والاستقلال، قامت بإغلاق الجامعة الوطنية وعلمت على تفكيك البيئة
البحثية الوحيدة في البلاد. إن الشائع في ثقافة الجبهة الشعبية هو التقليل من قيمة المعرفة
الأكاديمية والحط من شأنها باعتبارها شيئًا أقل أهمية من تجارب "الحياة الواقعية" في ميادين
.القتال

 بالتأكيد أن الخبرات والمعارف المكتسبة خلال حرب التحرير وما بعدها قيّمة للغاية ويجب
الاستفادة منها في تنمية البلاد، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن تحل الخبرات والمعرفة التي تم
الحصول عليها من خلال مرحلة الكفاح المسلح محل المعرفة الاكاديمية والأبحاث التجريبية
كما نرى في إرتريا اليوم. الاعتقاد بأن "الخبرات القتالية " تتفوق على الدكتوراه في الاقتصاد
والقانون في مشروع البناء الوطني وبناء دولة مسالمة ومزدهرة تكشف الكثير من الكيفية التي قادت
في نهاية المطاف بأن تتحول ثقافة الجبهة الشعبية المُعتدة بذاتها إلى عقلية متكلسة ومعيقة عفا
.عليها الزمن لتكون حجر عثرة في طريق تنمية إرتريا

الدكتور محمد خير عمر من خلال كتابه "ديناميكيات حلم أفريقي لم يكتمل" قدم
تفسيراً وسرداً للتاريخ الإرتري والثقافات المتعددة لمرحلة الكفاح المسلح والمجتمع الارتري المعاصر
بشكل تحدى فيه السردية المطروحة من قبل الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا سابقاً والجبهة الشعبية
للديمقراطية والعدالة الحالية ، والدكتور محمد خير وهو مفكر وناشط إرتري متعدد اللغات
ومن خلال هذه المهارة تمكن من الوصول ومن ثم استخدام المصادر المكتوبة باللغة العربية واللغات
المحلية بالإضافة إلى رجوعه الأعمال المشهورة المنشورة باللغة الإنجليزية وهو ما ساعده في تقديم
سردية مختلفة للاحداث التاريخية أعاد فيه تسليط الضوء على ما تم تهميشه من خلال الاعتماد
.على المصادر التي تم إغفالها أو تجاهلها

الدكتور محمد خير عمر عمل على جمع معلومات من
مصادر شفاهية لا تزال على قيد الحياة، وقد تم تعزيز وإثراء ذلك بالرجوع الى الوثائق التي
بحوزة الموثق الألماني كنتر شرودر الذي فتح أرشيفه الكبير من المقابلات والوثائق عن مرحلة
الكفاح المسلح في إرتريا لمصلحة هذا الكتاب. وعليه فإن الدكتور محمد خير عمر استطاع تجميع
حصاد مصادر مختلفه لإعادة تفسير تاريخ وطنه ومجتمعه، وبهذا يكون قد ساهم في تفكيك
السردية المهيمنة والمفروضة عن طريق نظام الجبهه الشعبية للديمقراطية والعدالة خاصةً فيما
يتعلق بالتعمق والتوصيف الدقيق لثقافة مجتمع المنخفضات الارترية والتاريخ وكذلك الوصف
التفصيلي للعلميات التى سبقت وأدت في نهاية المطاف إلى حرب التحرير وتفجير الكفاح المسلح
بواسطة القائد حامد إدريس عواتي وقبل ذلك تأسيس حركة تحرير إرتريا ثم لاحقاً التطورات
الكبيرة التى شهدتها مسيرة الكفاح المسلح بقيادة جبهة التحرير الإرترية. هذه المعلومات القيمة
والدقيقة مهمة لخلق التوازان لثقافة المرتفعات المهمينة في تمثيل الدولة الإرترية وتحدى الاساطير
.حول دور الجبهة الشعبية في بدء الكفاح المسلح وميلاد الوطنية الإرترية

وهنا لابد من التأكيد أن الأمر لا يتعلق بأى من الروايات هي الصحيحة في سرد التاريخ
وإنما النقطه المهمة هي ان التاريخ والثقافات والسياسات في إرتريا كما في أى دولة أخرى يستحق
أن يتم فهمه وتحليله وتفسيره بشكل جمعي حيث لا يوجد سرد صحيح واحد بل بالعكس هناك
عدة تفسيرات وفهم وتجارب من خلالها يمكن معرفة إرتريا وماذا تتضمن ومكونات مجتمعها وأين
تتجه في المستقبل. وكلما تم الاسراع في السماح لمختلف الباحثين بالبحث والتحليل من أجل
الإسهام في تفسير التاريخ والثقافات العريقه في داخل إرتريا فإن ذلك سيكون الأفضل لصالح إنتاج
المعارف الإرترية وفي النهاية الاسهام في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع
.الإرتري

لقد أثبت الدكتور محمد خير عمر تفانيه وإخلاصه في حفظ المعرفه والمعلومات عن
التاريخ والثقافه الإرتريه وعمل على تجميع وثائق في كل الجوانب بما يفوق جهد الجهات
الرسمية المسؤوله في أسمرا، وهذا جاء نتاج تسخير الدكتور محمد خير للكثير من وقته في توثيق
وحفظ المعلومات والوثائق التي تخص التاريخ والثقافه الإرتريه، إن جهوده وهمته في تطوير
مخزون معلوماتي يمد المكتبة الإرتريه يجب أن تكون محل تقدير من الجميع.
إن كافة الارتريين من المهنيين والنشطاء يحتاجون اليوم أكثر من أى وقت مضى إلى
وضع أيديهم سوياً وتوحيد جهودهم لتحديد وجمع وحفظ كل الوثائق المكتوبه والبيانات
المقابلات والإفادات عن التاريخ الإرتري القديم والمعاصر حتى تكون متاحة، أملين أن تكون مثل هذه
الجهود محل تقدير من الدولة الإرترية في القريب العاجل ويكون هنالك مسؤولين في التعليم
العالي والبحوث في إرتريا يعملون على إعادة نقل هذه المواد الى حيث يفترض أن تكون، أي الى
.مكتبة حية وفاعلة في جامعة أسمرا
. ...............................................................................................

Tuesday 1 December 2020

The 'Tor-Serawit[1]' are back: Eritrea's Sovereignty is at stake


 

The 'Tor-Serawit[1]' are back: Eritrea's Sovereignty is at stake

The Ethiopian army committed many horrific massacres of civilian Eritreans between 1961- 1991. 1st December 2020 marks the 50th anniversary of the Ona massacre, where the residents of a whole village close to Keren were burned alive to death that morning. The bodies of more than 700 people, including children and women bodies, were found charcoaled. A day earlier, the Ethiopian soldiers gathered the residents of Beskdira in a mosque after the villagers refused to be separated as Muslims and Christians and massacred them. More than a hundred of them were killed that day. Thus, the Ona-Bekdira massacre that cost the lives of 1000 innocent civilians stands out as the biggest massacre in Eritrea's modern history.

Many generations of Eritreans have struggled for a century to fulfill the dream of an independent, free, and democratic country. Before Italian colonialism, the people who lived in what was later known as Eritrea resisted Turkish and Egyptian incursions. When Atse Yohannes took over in Tigray in 1871, Eritrea's highlands were autonomous regions ruled by local families. Ras Woldemikael Solomon, ruler of Hamasein from Hazega, replaced Ras Hailu Tecle Haimanot of Tsatzega, appointed by Atse Tedros. Ras Alula raided and pillaged several parts of Eritrea at different times before and after his appointment as Governor of Seraye, Hamassein, and Akle Guzai on 9th October 1876. Yet, he never succeeded in having full control of Eritrea. Ras Woldemikael, Bahta Hagos, Kifleyesus, and other Eritrean leaders resisted his presence. The Italians were able to control most parts of Eritrea peacefully as the people were fed up with Alula's incursions.

 

When Italy declared Eritrea as a colony in January 1890, there was also resistance to colonialism. Among those who resisted, to mention a few, were Bahta Hagos (Akle Guzai), Mohamed Nuri (Saho), and Zamat Wed Ukud (Beni Amer), whose village Ad Zamat still exists close to Mensura.

 

Less than a month after the British came to control Eritrea, in April 1941, Eritrean intellectuals started to engage in politics, taking advantage of the British Administration's political sphere. It is quite astonishing that Eritreans took up the challenges of multiparty democracy in a short period. Eritrean intellectuals of the time met regularly to discuss the country's future and in 1941 formed the patriotic society known as Society for the Love of the Country (PLC) (Mahber Feqri Hager Eretra in Tigrinya, or Jemiyat Hub al-Watan in Arabic).

 

The growing movement for emancipation across Tigrait-speaking communities during the early and mid-1940s represented a significant watershed in Eritrea's eventual push towards decolonization as activists simultaneously challenged the traditional landlord-serf (Shumagulle-Tigre/Arab) dynamic and the colonial

authorities' exploitation of such a system[2]. According to Gebre-Medhin[3], the British diminished traditional chiefs' role in the central highlands and thus altered the rural power arrangement, particularly in Hamasein and Serae, and individual districts of Akele Guzzi. Thus, according to the author, nobility, who lost power, became staunch Unionists.  In Akele Guzai, one-third of whose inhabitants were Muslims and harbored the largest number of converts from the Orthodox Church to Catholicism, was least affected by the BMA's administrative rearrangements. Thus, the only highland-based party that championed independence was based in this region.

When the British Administration opened-up the political space in 1946, Eritreans soon took the opportunity to form political parties. The most important and influential of those were the Muslim League (ML), The Eritrean Liberal Progressive Party (ELPP), and the Unionist Party. Those were some of the first political parties in Africa.

During the 1940s and 1950s, prominent nationalists included Abdulgadir Kebire, Ibrahim Sultan, Idris Mohamed Adem, Ras Asberom Tessema, and Woldeab Woldemariam.  The Eritrean question was internationalized and discussed in the United Nations. It was not only Eritreans failing to reach consensus on their country's future, but also external actors were unable to reach such agreement.

On 24th November 1950, the United Nations Ad Hoc Political Committee adopted a vote of thirty-eight to fourteen with eight abstentions, the fourteen-power draft resolution containing the plan to federate Eritrea with Ethiopia. Following the federal act, Eritrean parties who favored independence accepted it as a compromise, and the Independence bloc was changed to the Democratic Front to safeguard it. The federation was born lame and became easy prey for Ethiopia's expansionist desires due to superpowers' interests and intrigues.  Ethiopia started from day one to dismantle Eritrea's autonomy and democratic rights guaranteed by the Federation Act. in 1956, the federal government banned the legal Eritrean languages (Arabic and Tigrinya), and Amharic was made the official language. Freedom of the press, political parties, and trade unions were banned. Increasingly more Ethiopians took over government positions, replacing Eritreans. Journalists and independent politicians were harassed and jailed. Ethiopia soon banned the Eritrean official seals and the coat of arms and, in 1958, lowered the Eritrean flag. There were large student and worker demonstrations in Asmara and other towns opposing the move.

On 14th November 1962, Emperor Haile Selassie dissolved the federation between Eritrea and Ethiopia in violation of UN Resolution 390 A(V) of 2nd December 1950. He declared Eritrea as an Ethiopian province, which cost both Eritrea and Ethiopia tens of thousands of lives and incalculable destruction and suffering.

Having exhausted all peaceful means, including appealing to the United Nations, the Eritrean people began to think about other alternatives to assert their rights. The Eritrean Liberation Movement was established on 2nd November 1958 in Port Sudan and later expanded its Eritrea presence. It was known as Harakat al-Tahrir al-Eritriya in Arabic, or short Haraka, and informally known as Mahber Shewaate in Tigrinya, about its organizational structure, mainly in Eritrean towns. The Haraka was based on forming seven-member clandestine cells. The Eritrean Liberation Front was formed in Cairo in 1960 and waged an armed struggle led by Hamid Idris Awate in 1961.  After huge sacrifices, the Eritrean Peoples' Liberation culminated the armed struggle in 1991.  Eritrea was freed from the Ethiopian occupation and became a member of the world community of nations in 1993, yet the struggle for a democratic country continues unabated.



[1] The term is an Amharic word for ‘armed forces’, Eritreans used the name to refer to the Ethiopian Army

[2] J. L. Venosa, “‘Serfs’, Civics, and Social Action: Islamic Identity and Grassroots Activism during Eritrea’s Tigre Emancipation Movement, 1941–1946”, Islamic Africa, 4/2 (2013), 165–93.

[3] Gebre-Medhin, Jordan, Peasants and Nationalism in Eritrea: A Critique of Ethiopian Studies (Trenton, NJ:Red Sea Press, 1989), 109-112