الصورة الشخصية: إسياس أفورقي،
الرجل والديكتاتور
*بقلم: فيصل علي ومحمد خير عمر
تاريخ: 11 أبريل 2022
ترجمة مقال للعربية
A Portrait: Isaias Afwerki, The Man & The Dictator | Democracy in Africa
بعد سلسلة من المقابلات مع زملاء
سابقين، يُحاول هذا المقال تقديم ملامح زعيم أفريقيا الأكثر انغلاقًا واستبدادًا.
على الرغم من استمراره بنجاح على رأس الحكم لثلاثة عقود، إلا أن عدم استعداده
للتغيير أصبح الآن يضر ببلاده وجيرانه.
إسياس أفورقي لم يواجه أبدًا
انتخابات خلال الثلاثة عقود التي قاد فيها بلاده. ويميل إلى عدم توضيح سبب ذلك
بشكل كامل. لا يمكن لإسياس تحمل أن يحصل على تفويض من الشعب حيث سيحد من صلاحياته.
يعتقد أن قيادته ضرورية لحماية نزاهة الجمهورية الشابة التي يعتقد أنه قادها نحو
الاستقلال. إنه لا يقوم بذلك من أجل المتعة أو المجد، كما أوضح في مقابلة شخصية
نادرة في عام 1996. قال إسياس إنه "يكره" السياسة، لكنه يعتبرها
"واجبًا" مقدسًا. "كلما انعدم العدل في المجتمع، يكون ذلك مؤلمًا
للغاية"، كما قال.
وأوضح أن هذا الواجب جاء على حساب
تضحيات شخصية هائلة، مما أضطره لتجاهل شؤونه الشخصية والفنية والأدبية ليقود
بلاده. واستمر: "أنا لا أحب حياة السياسي، ولا أحب حتى أن أعيش مثل
الرئيس". وبناءً على مشاعره هذه، لا يُفاجأ أحد من الفهم العام للمتطلبات
المترتبة على هذه المناصب، أنه لا يمارس السياسة، ولا يعيش حياة رئيس عادي. وفي سن
الـ62، أخبر إسياس أحد أعضاء البرلمان الألماني الذي قام بزيارته في أواخر عام
2008 أنه بصحة جيدة ويتوقع أن يعيش لمدة تصل إلى 40 أو 50 عامًا، وخلال هذه الفترة
يأمل في أن يستمر في قيادة بلاده.
الفكرة المجردة من أنه يحتاج إلى
تفويض من الشعب الإريتري أثارت دهشته عندما طرح عليه أحد الصحفيين سؤالًا حول موعد
إجراء الانتخابات في البلاد. "أي انتخابات؟" رد إسياس بطريقة جارحة
وعدائية قبل أن ينطلق في هجوم غير متعلق بالموضوع ضد الولايات المتحدة. "سنرى
ما ستجلبه الانتخابات في الولايات المتحدة، وسننتظر حوالي ثلاثة أو أربعة عقود حتى
نرى ظهور حالات طبيعية حقيقية." وأضاف بصوت جاد بطريقة مرعبة "ربما
أكثر، ربما أكثر، من يعلم.
أسلوبه في التعامل مع وسائل
الإعلام - يتراوح بين الانعزالية الحذرة والتعامل العدواني - يتجلى من خلال سياسة
بلاده الخارجية. شهدت بلاده إشكالات صعبة في الجيوسياسية الإقليمية، حيث دخلت
في حروب مباشرة مع جميع جيرانها (واليمن) ومددت نفوذها حتى إلى الكونغو، حيث ساعدت
القوات الإريترية في قدوم لوران كابيلا إلى الحكم في عام 1997. شجاره الذي دام
ثلاثة عقود مع جبهة تحرير شعب تقراي (TPLF) جعله من بين المهندسين لحرب إثيوبيا
مع المنظمة في تقراي. أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات على البلاد بسبب دورها
في حرب إثيوبيا، حيث تتهم القوات الإريترية بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان
وجرائم الحرب، مما أنهى فترة أربع سنوات فقط خالية من العقوبات عن إريتريا
منذ 2009.
كصديقه القديم القذافي، يتباهى
إسياس بالعلامة التجارية المناهضة للأمريكيين التي طورها الآن، على الرغم من أنه
دعم في وقت سابق حرب الولايات المتحدة في العراق واقترح تقديم قاعدة لها لضرب
العراق من اريتريا. في وقتٍ لاحق، ضمن موقفه بين ناديٍ الدول المعزولة من الغرب،
بما في ذلك إيران وكوريا الشمالية وروسيا وسوريا، عندما صوتت إريتريا ضد قرار
للجمعية العامة للأمم المتحدة يدين غزو روسيا لأوكرانيا. لم تفاجئ هذه الخطوة
مراقبي إريتريا، حيث قام وزير خارجيتها بزيارة جنوب أوسيتيا والقرم بعد احتلال
روسيا لكلتا الإقليمين.
ولكن في نهاية المطاف، لم تكن
إريتريا كبيرة بما يكفي لطموحات إسياس ، وكان دائماً معزولاً جداً للتعامل مع
الهيئات التي قد تحد من تأثيره. عندما حضر أول قمة قارية له في عام 1993 مع سلف
الاتحاد الأفريقي، منظمة الوحدة الأفريقية، اعتبر الاتحاد الأفريقي أداة للهيمنة
الأمريكية - مطلقاً عليها الفشل الذريع. انضمت إريتريا فقط "بروح التزام
عائلي". كان ينظر إلى هيئة شرق أفريقيا الإقليمية IGAD بحقد مماثل. كما عمل مع القذافي، حليف قديم له، لتشكيل هيئة
بديلة للاتحاد الأفريقي تسمى جماعة دول الساحل والصحراء في عام 1998 بدون جدوى.
الحياة المبكرة وأعوام
حرب التحرير
قلة قليلة جدًا من الناس مثل
إسياس كانو مقاومين للتغيير على مدار حياتهم، على الرغم من التغييرات الكبيرة في
أقدارهم، كان دائماً مشهوراً بالقسوة والغضب والسرية وعدم الرغبة في التساهل مع أي
معارضة. خلق التاريخ وعاش من خلاله، خان وتم خيانته، وصنع وحطم حياة الناس بنفس
الطريقة التي كان يتصرف بها عندما كان شابًا ثائرًا، وفقًا لزملائه السابقين الذين
قابلناهم. "الرؤية العاطفية المرهقة"، قال في مقابلته عام 1996، "
عندما تفقد كثير من الزملاء بمرور الوقت، تفقد الاحساس." "ثم تسأل نفسك،
ألست إنسانًا؟"
الصحفي الأمريكي روبرت كابلان
التقى إسياس لأول مرة في منتصف الثمانينيات أثناء أيام استقلال إريتريا الحماسية.
كانت شارب إسياس، التي تم قصها بشكل مثالي حينها وحتى الآن، تتوسط فوق فمه، الذي
عندما يكون مفتوحاً في الأماكن العامة يعطي، حسب قول كابلان، "نمطًا باردًا
وسلطويًا للكلام". في كتابه "الاستسلام أو الموت جوعاً"، لاحظ
كابلان أن إسياس "تأثر بطابع عسكري"، وعندما يضع هدفًا أمام عينيه، فإنه
يظهر عندها عنادًا صلبًا ولامبالاة بكيفية تحقيق أهدافه. هذا الصفة التي ستخدمه
وتضره خلال حياته السياسية المضطربة.
ولد إسياس في عام 1946 في أسمرا
تحت الحكم البريطاني، وهو الثاني من ثمانية أشقاء. لم يكن من النوع الذي يقبل بالمركز
الثاني، ووفقًا للأشخاص الذين نشأوا معه، كانت هذه الصفة جزءًا حاسمًا من شخصيته
منذ الطفولة. أراد أن يكون قائدًا لفرق كرة القدم في حيه، وكان يصر دائمًا على
الجلوس في أفضل مقعد متاح في المنزل. قام بصفع مدرس فيزياء أمريكي في المدرسة
الثانوية لأنه أعطاه درجة سيئة. ولكن إسياس أصبح مشهورًا في حرب
التحرير الإريترية.
على عكس معظم زملائه الذين انضموا
إلى النضال المسلح وهم يواصلون دراساتهم الجامعية بنجاح، انضم إسياس لأول مرة إلى
حركة استقلال إريتريا مع جبهة التحرير الاريترية ، بعد رسوبه في امتحانات الفصل
الاول بجامعة هايلي سيلاسي. قد يفسر هذا العامل إلى حد ما شعور إسياس بالنقص تجاه
زملائه (الذي قضى عليهم بالتدريج). يعتقد كابلان أن إسياس كان "أكثر
السياسيين إثارة للاهتمام فكريًا في تاريخ أفريقيا ما بعد الاستعمار". أشاد
كلينتون بالمثل به بأنه "زعيم إفريقي عصري". على الرغم من أنه يشرف
سنويًا على حفلات تخرج الدفعات الطلابية العسكرية في ساوا ، إلا أنه لم يحضر أبدًا
حفل تخرج في الجامعة.
عندما علما ميكئل قابر والذي كان
عضو في خلية جبهة التحرير الاريترية مع إسياس في أديس أبابا، عندما علما بأن إسياس
التحق بجبهة التحرير الإريترية كان يخشى أن يشكل إسياس مركز قوة خاص به في التنظيم
وينشق. ووفقًا لهيلي دروع، انضم إسياس وهو نفسه إلى جبهة التحرير الإريترية، لشق
الجبهة وخلق تنظيم خاص بهم. في حين لم يكن ميكئل قابر مخطئًا بشأن نوايا إسياس،
طموح إسياس لم يكن ان يقبل أن يكون مجرد عضوا في قيادة جبهة التحرير الإريترية.
كان يحتاج الي تنظيم خاص به تكون له فيه سلطة مطلقة. بعد عودته من الصين، حيث
أرسلته الجبهة للتدريب العسكري والايديولوجي خلال الثورة الثقافية المشهورة ، كانت
عودة إسياس حاسمة لمستقبل حركة التحرير الإريترية. تشير مذكرات الدبلوماسية
الأمريكية أنه "انزعج من العبادة المحيطة بشخصية ماو" ولكنه أدرك الحاجة
للقضاء على الخصوم السياسيين، مما أدى به إلى قمة الثورة الإريترية.
كانت التحدّي الأول لقيادته بعد
انشقاقه عن جبهة التحرير الإريترية في عام 1973 عندما دعا بعض زملائه وزملاء
الدراسة السابقين إلى العمل بالديمقراطية والمساءلة من القيادة. تم تسمية المنشقين
'منكاع’، وهو كلمة بالتقرينية تعني الخفاش (أي أولئك الذين يتحركون في الليل). تم
إعدام قادة هذه المجموعة وسجن آخرون لسنوات. أدت هذه التحديات إلى تشكيل جهاز أمني
سيئ السمعة ومخيف للغاية، يُعرف بـ 'حالوا ثورا'، وهي كلمة أخرى بالتقرينية تعني
'حماة الثورة. ثبت أن هذا الجهاز كان أداة حاسمة لإسياس لتوطيد قبضته على
الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا ووريثها الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة ،
التي اصبحا وجودها بالاسم فقط منذ عام 2001. نقل سفير الولايات المتحدة إلى
إريتريا عبارة زميله الصيني الذي قال إن إسياس "تعلم كل الأشياء
الخاطئة" خلال فترت إقامته في بلادهم. أصبح إسياس الناهي والأمر في التنظيم
حيث يتخذ كل القرارات ولم يكن هناك مجال لوجهات نظر بديلة.
قال عند برهان ولد قورقيس، محافظ
البنك المركزي السابق ودبلوماسي إريتري، الذي أقاله الرئيس لرفضه أمرًا بنقل اموال
بطريقة غير مشروعة، إن "الاجواء اصبحت مشحونة بالتوتر" أثناء اجتماعهم.
كتب عند برهان: "أصبح إسياس غاضبًا ومضطربا لدرجة أن أوردة عنقه بدت على وشك
الانفجار".
كما أظهر عدم استعداده العصبي
لقبول أي شيء غير رأيه فعندما استضاف عشاءًا لمسؤولي السفارة الأمريكية في عام
2008، حيث شارك في مناقشة حامية حول الطماطم. اشتكى إسياس من أن بعض الطماطم التي
كانت تزرعها زوجته والتي اهداها لها المستشار القانوني للسفارة كانت صغيرة جدًا،
فأجاب المستشار قانوني بأن نوع الطماطم هي كرزية اليي في الاصل صغيرة الحجم.
غادرإسياس الغرفة على عجل، مفاجئًا حتى فريقه الأمني.
يُشيد بعض المراقبين والمسؤولين
في الأمم المتحدة بسياسات إسياس في التنمية والاعتماد على الذات. يفخر نظام
إريتريا بتحقيق أهداف التنمية للألفية، خاصة في قطاع الصحة، مثل تقليل معدل وفيات
الأطفال الرضع وتحسين صحة الأمهات ومكافحة الأمراض مثل الملاريا وفيروس نقص
المناعة البشرية (HIV). في رد إريتريا على الاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان
التابع للأمم المتحدة لعام 2014، أكدت الحكومة أن أولوياتها الوطنية الرئيسية هي
خلق بيئة مناسبة وتعزيزها للمواطنين لممارسة حقوقهم الأساسية في "أوسع تعريف
للمصطلح". ولكن الاتحاد الأوروبي يشير إلى أن البلاد تواجه تحديات كبيرة في
ضمان الأمن الغذائي وتوفير وتحديث الخدمات الاجتماعية الأساسية ومكافحة البطالة
بين الشباب. وفيما يتعلق بالخدمات الصحية في البلاد، يجدر بالذكر أن إريتريا هي
الدولة الوحيدة في إفريقيا التي رفضت توفير لقاحات كوفيد-19 لسكانها دون أي تفسير.
الإريتريون الذين نتحدث إليهم
داخل إريتريا، والزوار الأخيرين للبلاد، يرسمون صورة مظلمة. هناك نقص حاد في
الأدوية الأساسية. على الرغم من الحاجة إلى الخدمات الصحية، أغلقت الحكومة 22
عيادة صحية تديرها الكنيسة الكاثوليكية الإريترية في عام 2019 بسبب انتقادات
الكنيسة للحكومة. الأطباء الذين يتقاضون أجوراً منخفضة لا يُسمح لهم باستخدام
العيادات الخاصة بعد ساعات العمل الحكومي، مما يرفع الضغط على الخدمات في
المستشفيات. الدكتور فظوم قبر نقوس ، الطبيب النفسي الوحيد في إريتريا في بلد
مضطرب نفسياً، يقبع في السجن منذ عام 2004 بسبب آرائه الدينية ومكان وجوده لا يزال
مجهول.
يفخر إسياس بالاعتماد على الذات،
لكن البلاد لا تنشر معلومات عن القروض والمساعدات التنموية. لم تنشر إريتريا أي
ميزانية منذ استقلالها. في إريتريا، كل شيء سري، لكن الدائنين شفافين. اقترضت
إريتريا 631 مليون دولار أمريكي من الصين من عام 2000 إلى 2018. تشير بيانات البنك
الدولي إلى أن إريتريا تلقت 4.36 مليار دولار أمريكي كمساعدات تنموية رسمية صافية
ومساعدات رسمية من عام 1992 إلى 2019. أصدرت محكمة إفلاس أمريكية حكماً يقضي بدفع
إريتريا 286 مليون دولار كقروض لبنك قطر الوطني (QNB). يمكن للبنك البحث في أي مكان يمكن أن يكون فيه لدى الحكومة أصول
واستردادها لتلبية دينها. على الرغم من أن إريتريا قد أخذت خطوات بسيطة في الاتجاه
الصحيح في مجال الصحة، إلا أن سلبيات هيكل الحكم في البلاد قد عرقلت تحقيق تقدم
أكثر.
“عند إسياس، توقف الزمن"
لقد شاركت إريتريا في حروب
هجومية ودفاعية مع جيرانها واحتضنت شعوراً بالكراهية تجاههم. لقد كانت ضحية
لمؤامرات دولية وارتكبت لمؤامرات محكمة. لقد سَلحَّت وواجهت مجموعات المتمردين.
لقد تم التشكيك في حدودها وقد شككت في حدود جيرانها. لم تظهر هذه الديناميكيات
بشكل أكثر حدة من العلاقة المضطربة التي جرت بين إسياس وأصدقائه القدامى في
إثيوبيا.
يُزعَم أن إسياس ورئيس الوزراء
الإثيوبي السابق ميلس زيناوي عاشا معاً في شمال مقديشو، حيث تم تزويدهما بجوازات
سفر صومالية وبرنامج إذاعي للبث باللغتين التقرينية والعربية. وقد قاما
في النهاية بإنهاء حكم الرئيس منقستو هايلي مريم. وتثبيت نظام جديد. كانت هذ إنجازا
لافتاً. "كأن الشيوعية السوفيتية قد أطيحت ليس على يد الروس بل على يد
الأوكرانيين، وأن الأوكرانيين قد استولوا على السلطة في موسكو “،كما جاء في رسالة
إلى مجلة نيويوركر.
كان إسياس وملس على علاقة جيدة
مباشرة بعد استقلال إريتريا، وفقًا لمسؤول إريتري كبير. عملا معًا للتأثير على
الصومال من خلال دعم السيد فرح عيديد بعد سقوط الرئيس سياد بري. ومع ذلك، كان ملس
غير مرتاح دائمًا بشأن علاقته بإ سياس، الذي يعتبره عادة شخصًا قاسيًا
وعصبيًا. ظهرت شكوك إسياس عندما اعتقد أن زيناوي حاول قتله عندما عرض عليه
واسرته والذين كانو يتواجدون في اديس بعد عودة من رحلة خاصة طائرة تنقلهم الي
اسمرة في عام 1996، حيث اندلعت النيران في الطائرة بعد الإقلاع ولكن
هبطت بأمان. إسياس نادرًا ما ينسى ولا يميل إلى العفو ، كما حدث في حالة وزير
الإعلام السابق نايذقي كفلو، الذي كان حليفًا وثيقًا لإسياس ثم غادر البلاد للحصول
على مساعدة طبية في لندن وتم رفض دفنه في إريتريا على الرقم من طلبات اسرته
المتكررة.
ومع ذلك، مع ملس، كانت
المخاطر أعلى والعداء أعمق. اتجهت هذه الديناميكية إلى منعطف قاتل عندما اندلع
نزاع حدودي في حرب شاملة في عام 1998، مؤكدًا مخاوف إسياس حول جاره الكبير. عندما
قال إسياس إن الظلم "يثير غضبه"، لم يكن يمازح، لكن استجاباته المتوقعة
كانت العنف والصمت. لسبب وجيه، كان غاضبًا عندما حكمت محكمة العدل الدولية ان قرية
بادمي، بلدة صغيرة على الحدود المشتركة تتبع لإريتريا، ولكن رفضت إثيوبيا التخلي
عنها والمجتمع الدولي لم يفعل شيء مما أدى إلى تصاعد التوتر بين قادة البلدين.
أعطى النزاع الحدودي غير المحلول إسياس مبررًا لخلق فراغ سياسي داخلياً، ووضع
بلاده على حالة تأهب دائم للحرب، . لم يقبل الذل من الهزيمة في عام2000 مرة
أخرى وبدأ في الانتظار حتى يمكنه تسوية الحسابات مع عدوه اللدود الجبهة الشعبية
لتحرير تقراي.
أثارت حالة إسياس من عدم العدالة
انزعاجه بشكل أكبر عندما تم توجيه عقوبات خاصة له بسبب دعمه للجماعات في جميع
أنحاء المنطقة (بما في ذلك دعمه المزعوم لجماعة الشباب). تجنبت إثيوبيا التي كانت
تسيطر عليها الجبهة الشعبية لتحرير تقراي تلك العقوبات بالرغم من انها كانت تعمل
مثل إريتريا. لقد تفاعلت إثيوبيا مع المجتمع الدولي، بينما إريتريا قالت إنها لم
ترتكب أي خطأ وانطوت على نفسها. "تحدي النظام الإرتري مجلس الأمن التابع
للأمم المتحدة بشكل افتراضي عندما أصر على الإنكار الشامل"، لاحظ عندبرهان
ولد قرقيس ، الرئيس السابق لبنك إريتريا وسفيرها للاتحاد الأوروبي بعد ذلك، في
كتابه. يعتبر هذا الإصرار على الإنكار علامة مميزة لشخصية إسياس ونظامه.
في عام 2012، توفي رئيس الوزراء
ملس زيناوي، خصم إسياس اللدود. شهدت الجبهة الشعبية لتحرير تقراي تقلص سلطتها في
السياسة الإثيوبية ، واستمر ذلك حتى تولى رئيس الوزراء آبي أحمد المهمة ووضع نفسه
مهمة تفكيك الجبهة الشعبية لتحرير تقراي وشبكاتها في الدولة الإثيوبية. عمومًا،
احتقر قادة حزب تقراي الإدارة الجديدة لآبي، حيث وصف رئيس الحزب دبرظيون جبري ميكائيل
رئيس الوزراء الجديد بأنه "غير ناضج". رأى إسياس فرصة للخروج من عزلته
في مد وجزر السياسة الإثيوبية واحتضن رئيس الوزراء الشاب معه والذي وقعا اتفاقية
سلام، وتفاصيلها لا تزال غامضة، مما جعل آبي يحصل على جائزة نوبل للسلام.
إسياس ماكِرٌ ماهِرٌ وعازِمٌ على
البقاء، وبحلول عام 2018، ظهر كأكبر رجل سياسي في شرق إفريقيا. وقد توفي زيناوي،
وجاء ورحل قادة إثيوبيا وكينيا، وانهارت الصومال وانقسم السودان ورحل زعيمه عمر
البشير. ولكن إسياس بقي، ولم يغير كثيراً في حكومته. ووفقًا لمحلل واحد، يبحث
القادة الإقليميون اليوم عن نصيحته، معجبين بطول عمره المذهل على الرغم من عزلته.
تماما كما استهزأ بجبهة التحرير
الإرترية عندما هزمهم خلال حرب الاستقلال، لم يكن الفوز مجرد كافٍ ضد جبهة تحرير
شعب تقراي. كان عليه أن يفرح بالنصر. في اليوم السابق لبدء أحمد حملته ضد جبهة
تحرير شعب تقراي بدعم من إسياس في نوفمبر 2020، نشرت السفارة الإريترية في أديس
أبابا على صفحتها في الفيسبوك، عبارة : "انتهت اللعبة."
لم تكن الاختلافات بين إسياس
وجبهة تحرير شعب تقراي مجرد شخصية. اختلف إسياس بشدة مع طريقة إعادة تنظيم
الدولة الإثيوبية التي قام بها ملس زيناوي. كان إسياس يعتقد دائما
أن العرقية والطائفية الدينية هي نقمة، ورفض حزبه هذه المذهبية
في وقت سابق بكثير. بالنسبة له، من الأصعب التأثير أو التلاعب بدولة فيدرالية
مقارنة بدولة مركزية. لم يتحدث أبدا عن خلفيته العرقية التقراوية ولم يجعلها وسيلة
لنمط سياساته. ومع ذلك، كان وجود الفيدرالية في إثيوبيا تهديد لنظامه المركزي في
إرتريا.
وعندما يتحدث عن هذا التهديد
وتحتل القوات الإريترية أجزاء من منطقة تقراي في إثيوبيا، من الصعب ألا نتأمل في
آخر مرة وجد فيها إسياس نفسه في دور مماثل كلاعب اثاثي لإثيوبيا قبل ثلاثة
عقود كاملة كمتمرد شاب. عمل على تقويض مجموعة متمردة وتشكيل مجموعة أخرى. هذه
المجموعة المتمردة أطاحت بأحد أقوى حكومات إفريقيا وفصلت نفسها عنها، وأنشأت دولة
ومجتمع جديدين. في حين يكافح الكثيرون للتخلص من ماضيهم والذي قيّدوا به بسبب
الظروف التي ورثوها، كان إسياس دائمًا زعيمًا يلعب برهانات عالية ويحتاج إلى النظر
إلى المستقبل. كان خطأه الكبير، بكثير من النواحي، ليس أنه كان مقيدًا بماضيه؛ بل
أنه قيد نفسه به وجذبه إلى الحاضر مثل كرة مدمرة.
* فيصل علي (@fromadic92) صحفي متعدد الوسائط مقره في اسطنبول. يكتب عن ثقافات
وسياسات شرق إفريقيا. يعمل حاليا صحفي في الغارديان البريطانية
محمد خير عمر (@mkheirom)باحث وكاتب مقره في اوسلو بالنرويج وعضو سابق في جبهة التحرير
الإرترية
No comments:
Post a Comment